دور البرلمانات في الإدارة البيئية ومكافحة التدهور البيئي العالمي: ركائز الحوكمة الفاعلة
في ظل تفاقم الأزمات البيئية العالمية، من تغير مناخي وفقدان للتنوع الحيوي وتلوث عابر للحدود، تبرز البرلمانات كفاعل محوري في صياغة استجابات فعالة. هذه الدراسة تستكشف الأدوار المتعددة للبرلمانات في تعزيز الإدارة البيئية ومواجهة التحديات العالمية، مع تحليل للتحديات واقتراح سبل التطوير.
الأدوار الاستراتيجية للبرلمانات
-
الدور التشريعي: صياغة الأطر القانونية الفاعلة
-
وضع سياسات متكاملة: تمتلك البرلمانات سلطة إقرار قوانين تحوّل الالتزامات الدولية (مثل اتفاقيات باريس للمناخ وكونمينغ-مونتريال للتنوع الحيوي) إلى أطر وطنية. على سبيل المثال، نجح برلمانيون في الهند في تخصيص 1% من الميزانية الوطنية للطاقة المتجددة عبر ضغوط تشريعية 2.
-
سد الثغرات في الاتفاقيات: كثير من الاتفاقيات البيئية الدولية (مثل اتفاقية التنوع الحيوي) تتجاهل قضايا جوهرية كإزالة الغابات أو الوقود الأحفوري. هنا يأتي دور البرلمانات في سن تشريعات تكميلية، كما حدث مع “صندوق الطاقة الوطني” في أوغندا الذي جذب استثمارات تجاوزت 150 مليون دولار 210.
-
-
الدور الرقابي: ضمان المساءلة والشفافية
-
مراقبة تنفيذ السياسات: باستخدام أدوات مثل استجواب الوزراء ومراجعة التقارير الدورية، يمكن للبرلمانات كشف التقصير في تنفيذ القوانين. في المغرب، مثلاً، تُجرى عمليات مراقبة بيئية مبرمجة ومفاجئة للتأكد من امتثال المشاريع للمعايير 15.
-
الرقابة على الميزانيات: تُعد الموافقة على توزيع الموارد المالية أداة حاسمة. ففي كوستاريكا، ربط البرلمان التمويل الحكومي بتحقيق مؤشرات بيئية محددة، مما عزز الحفاظ على الغابات 212.
-
-
دور التمثيل: إدماج الأصوات المهمشة
-
ضمان عدالة المشاركة: يجب أن تعكس التشريعات البيئية احتياجات الفئات الأكثر تأثراً بالتدهور البيئي (كالمجتمعات الأصلية والنساء). برلمان كندا، على سبيل المثال، أدمج “مبدأ الموافقة الحرة المسبقة والمستنيرة” للمجتمعات الأصلية في قوانين الموارد الطبيعية 12.
-
حماية المدافعين عن البيئة: تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى تزايد التهديدات التي تواجه الناشطين البيئيين. هنا، يمكن للبرلمانات سن قوانين تضمن حريتَي التعبير والتجمع 12.
-
-
دور التنسيق الدولي: تعزيز التكامل عبر الحدود
-
التصديق على الاتفاقيات: تمتلك البرلمانات سلطة المصادقة على المعاهدات الدولية، كما حدث مع برلمانات الاتحاد الأوروبي عند تبني “القانون الأوروبي للمناخ”.
-
تبادل الخبرات الإقليمي: شبكات مثل “الاتحاد البرلماني الدولي” (IPU) تتيح تبادل التجارب الناجحة، مثل تشريع كينيا لمكافحة التصحر الذي استُلهِم من تجارب ناميبية 4.
-
التحديات التي تواجه الأداء البرلماني
-
الضغوط الاقتصادية قصيرة المدى: غالباً ما تُغلّب الحكومات جذب الاستثمارات على الاعتبارات البيئية، مما يقوّض جهود التشريع 10.
-
الانقسامات الحزبية: في دول مثل الولايات المتحدة، يحول الاستقطاب السياسي دون إقرار تشريعات مناخية طموحة 14.
-
ضعف الآليات الرقابية: 75% من الدول النامية تفتقد أنظمة رصد فعالة لقياس التلوث، مما يعيق الرقابة البرلمانية 15.
-
تجزئة المنظومة البيئية العالمية: تؤدي تعدد الاتفاقيات (أكثر من 500 اتفاق بيئي متعدد الأطراف) إلى تشتيت الجهود البرلمانية 10.
آليات تعزيز الفعالية البرلمانية
-
تعزيز المساءلة عبر آليات غير تقليدية
-
اللجوء إلى القضاء: أصبحت الدعاوى القضائية أداة ضغط، كما في قضية “أورجندا ضد الحكومة” التي أجبرت الدولة على تعزيز سياسات التكيف مع المناخ 14.
-
إنشاء هيئات علمية مستقلة: مثل “المجلس الاستشاري العلمي العالمي” الذي يقترح معايير توزيع الأعباء (كالميزانيات الكربونية) بناءً على مؤشرات عادلة 10.
-
-
تبني مقاربة الحوكمة الشاملة
-
ربط البيئة بحقوق الإنسان: يسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى إقرار “الحق في بيئة صحية” في 50 دولة بحلول 2030، مما يخلق أدوات قانونية للمساءلة 12.
-
مأسسة التشاركية: إنشاء منصات دائمة للتشاور مع المجتمع المدني قبل إقرار التشريعات، كما في نموذج “الجمعيات البيئية المحلية” في فرنسا 12.
-
-
تعزيز التمويل والشراكات
-
حزمة حوافز للقطاع الخاص: في السويد، ربط البرلمان بين الدعم الضريبي للشركات وتحقيق أهداف “الحياد الكربوني”.
-
صناديق بيئية مخصصة: صندوق مكافحة التلوث الصناعي في المغرب يمول مشاريع التقنيات النظيفة 15.
-
خاتمة: نحو برلمانات فاعلة في العقد البيئي الحاسم
البرلمانات ليست مجرد هيئات تشريعية، بل هي حلقات وصل حيوية بين الالتزامات العالمية والتنفيذ المحلي. نجاحها يتطلب:
-
جرأة سياسية لتحدي المصالح الراسخة (مثل دعم الوقود الأحفوري).
-
ابتكار مؤسسي لتعزيز الشمولية والمساءلة.
-
تضامن عالمي لتبادل المعارف والموارد.
كما قال سفير السويد أستروم (1972): “مبدأ السيادة الوطنية لم يعد كافياً لمواجهة أزمات كوكب متداخل المصير” 8. البرلمانات، بقدرتها على تجسير هذه الفجوة، يمكنها أن تكون حجر الزاوية في عصر إعادة تعريف العلاقة بين البشرية والأرض
Views: 0